صبري الحيقي Sabri Al-Haiki 

صبري الحيقي Sabri Al-Haiki 

مدخل الصفحات

قصائد مختارة

نصوص شعرية


قصائد

صبري الحيقي

(بيت)

سَحَابةٌ وَرقيِةُ العَينين

ونافِذةٌ بغير يدين

وبابُ الوصل يمشي كلما تمشي.

شعر: صبري الحيقي 1990


احتجاج

مَنْ سَيَرى ؟؟؟؟؟؟؟

بأن النهرَ لا يجري..؟!

وأن الضوءَ ثلجيٌ !

وأن الطيرَ ،

            ينزعُ ريشَهُ

           ويســـــــــــــــــيرْ

وحدي

وحدي أمرُّ على احتفالات الأسى

ودمي يخون قصائدي..

وحدي أرى ..

سِكِّينةَ َ الْكَلِمِ الصديق ْ

وحدي أضيق ْ

أضيقُ حتى لا أرى ..

وحدي أرى .


ديمقراطية !!

لكَ أن تصحَ بملء ِ جرحكَ

أن تُعلقَ ما تبقى من يديكَ

على جدار الريحِ ..

 أن تزهو ..

...

نهاركَ يابسٌ ..

وبطولة الفلين تبتاعُ البلادْ

لكَ يا جهادْ..

...

لكَ أن تقطِّرَ صبية الحارات في "وادي المدام" ..

وأن ترى المشوار سهلا

لكَ أن ترى ..

لكَ أن تحاولَ أن ترى ..

وتموت في الأوهام طفلا


خيانة

أمشي ..

ولا أجدَ الطريقَ ،

(إلى حدود أصابعي)

ساورتُ أوهام الكلام،

فخانني تعبي،

وخَلفَني على

           درج السدود

أمشي .. وتنكسرُ الحدود..

أمشي.. وتنكسر الحدود 


شارع

ومضى شارعُ العدلِ

يطوي مساربهُ

حول َ خاصرة العصبِ المستريب

..تمالكتُ قائمة للخطى..

ربما أقدر الآن أن أتبينَ

 حدَ المتاهات..

أن أتلمسَ خارطةَ الروح..

حتى ظننتُ الشوارعَ طارئة الالتباس..

ظننتُ المدينةَََ.. لن تتداعى

هنا .. في أصابع أسئلتي..

قلتُ أني ..

تمالكتُ ماء عيوني..

رأيتُ حدود الضباب الكسير..

..

ها إنني الآن أمضي..

كأن اتزان السماوات عندي..

كأني ابتدأتُ الغناءَ

و أمسكت شُبابة الوقت

لكنني .. فجأةً..

أدركَ الظنُ خيبتهُ..

فجأةً أتداعى..

وينسكبُ الشارع المستدير


أصدقاء

صعدوا..سواسيةٌ على

درجَ القصائدَ في دمي ..

فتساقطَ النفسَ الأخير

وكنتُ منفردَ الذهولْ

صعدوا..

وكان العمرُ ينزلُ بالفصولْ


سُلَّمْ

سُلَّمٌ آيلٌ للظنونْ

درجٌ طائرٌ .. لا جناحَ لهُ

درجٌ هابطٌ لا يغض الشجون

سُلمٌ طارئٌ

سلمٌ صاخبٌ بالفتونْ


محاولة إيقاف الشارع

الماءُ يوقدُ جمرا

الأمانُ يحاصرُ المدى

الشاعرُ يعلن الموتْ

...

يا شارع الميناء قف

وانزع شراعك عن دمي

دعني أمزق معصمي..

...

يا شارع الميناء قف

هيئ شراعكَ في دمي

لا تنحنِ

..

يا شارع الميناء

يا..-

لا يقف

ويمرُّ ..،

يا ..-

..

الماءُ يوقدُ جمرا

الأمان يحاصرُ المدى

الشاعرَ خرقة بيضاء ،

أقل قليلا من كفن


مجنون

في شارع التحرير يمشي

حاملا ورق الحدود

ورقا يوزع صوته

ورقا يدور بلا كلام

ورقا حطام

...

في شارع التحرير يمشي

      حاملا ورق الحدود

حدَّ الأصابع والحروف

حدا يطوف على صباه

حداً تكسرَ منتهاهُ

ولم يزلْ

في شارع التحرير يمشي كالإله.

قوسان

قوسان للمعنى

ولكني

أضعتُ الشارعَ المألوف بينهما

هنا كنا نمرَُ .. هنا

وجدتُ الباب يفضي لاشتباه العين

من قوسين ..

والمعنى يغايرُ ظلهُ

يفتكُّ سقف أصابع الخطوات

من أي الجهات سطور نشوتهِ

تعلبُ هذه الشبهات


تَوَجُسْ

للتوجسِ أن يتعلق هذا المساء

على برهة الغيب

أن يتجلى .. حروفا

تذوِّبُ أطرافها ..آيةً ..آيةً

في خيوط الخراب..

للتوجسِ أن يفتح الآنَ

بوابة الاستواء المريب

وأن يرسمَ الصحبَ في ورقٍ

 من رماد

سلما صاعدا

في سراب الجنون

يبتني درجا آيلاً للظنون

..

للتوجسِ أن يبدأ الآن

أن يتهيأ في الكائنات


ضيق

على عَصَبٍ.. بدأتَ يقينكَ المجروحْ

من عصبٍ يشدُّ الروحْ

مالت جُذَْوَةُ المعنى

وشقَّ الحرفُ جِلدَ الوقتِ

ضاق الشارعُ المشدودُ فوق الصدرِ

ضاق الشعرُ..

 وانكشفَ المدى المذبوح.ْ

عدن

عدن التي

  كنا نراودُ سِرَّها ليلاً

ونخْتَلِسُ ارتعاشةَ موجها النشوانْ

أتينا الآن..

نفتشُ عن مواجِعنا المذابةِ

                      في شواطئها

أتينا الآن..

 ولكنّا ..

على حدِّ انكسار الموج..

ضيَّعنَا مدى العنوان.

هامش

مِن أي الشظايا الآن

                  يلتبسُ انفجار العمر

أي متاهة للوقتِ

         لم تتسلم الإنسان

وأي خرائبٍ أُخرى

ستنتعل العيون الآن

صنعاء 1991

خصام

يا شعر كفَّ عن الضجر

حجرٌ يدقُ على حجر

               ودمٌ يسيل

وطائرٌ

فقد المكان ..زمانه

سفرٌ يطولُ بلا سفرْ

             موتٌ سيولدُ من جديدْ

ومدائن اليمن السعيد

تجفُ حتى تنكسرْ

مطرٌ مطرْ

من لي بماءٍ لا يخاصمه الشجر .

يناير 1986 يريم

بيت

سَحَابةٌ .. ورقيةُ العينين

ونافذٌ بغير يدين

وبابُ الوصلِ

 يمشي

          كلما

                    تمشي.

استفهام

(إن بعضَ الظنِ إثمٌ )

                   فَتَحَرَّى(*)

  كيفَ تتلو سورة الناسِ

تَحْرَّى

كيف تحيا الأرضُ بالماءِ

                       وتعرى

ولماذا يَبْسُمُ الطهرُ لعمري

ولماذا .. تصبحُ الأنفاسُ شِعرا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الألف الزائدة هنا للإشباع..

حيرة

للغيب أن يرمي نبوته عليكَ

وأنتَ لا تدري

           بأن ظنونَ عين الريح

قد تترصدُ الشعراء

وأنك حينما تروي؛

حِكايةَ قلبكَ الموجوعُ

       سوف ترى

جنودا في ضباب يديكْ

التباس

الضوء ملتبسٌ

وخائنةٌ قشورُ الماء

وهذا الحرفُ مرتبكٌ

      يدور على أنامله

...

مكسرةٌ خدود الورد

بالقبل الحِواريه

ومنفعلٌ جدار الوصل ِ

 بين الريح والأكفان

إذاً فليبدأ الطوفان.

وحدي

وحدي أمرُّ على احتفالات الأسى

ودمي يخونُ قصائدي..

وحدي أرى ،

    سِكِّينةََ الكَلِمِ الصديقْ

وحدي أضيق

أضيقُ حتى لا أرى

وحدي أرى.

ارتباك

 (بلدي.. وان جارت..)

فينكسرُ الحصى حبلا..

       ومشنقةُ الحروفِ

 تجرُ أنسجتي على كفيَّ

..

لا أجد المدى إلا غباراً

يستوي بالنور

..

يلتبسُ البياضُ

        على قراطيس الكلام

فينحني كفني

ويرتبك الظلام.

هامش

من أي الشظايا الآن

يلتبسُ انفجار العمرُ

أي متاهةٍ للوقتِ

             لم تتسلمِ الإنسان

وأي خرائبٍ أخرى

ستنتعلُ العيونَ الآن.

خصام

ياشعر كف عن الضجر

جحرٌ يدقُ على حجرْ

ودمٌ يسيل

وطائرٌ

   فقدَ المكانَ

زمانهُ ..

سفرٌ يطولُ بلا سفر

...

موتٌ سيولدٌ من جديد

ومدائن اليمن السعيد

 تجفَُ حتى تنكسر

...

 

 


قبل أن..

قبل أن تختار طين الجلدِتعشو..، 
    سوراً .. أو صوراً .. أو
تعرف ُ الجرحَ الذي يسقطُ من أي الخلايا
أفلتَ الوقتُ ، وأرداك قليلا ً؛

فيرفوف ِ البيعِ ..أو   
         في شغف السوق الذي يعلقُ بالأشياءِ:  مشوارٌ على مكتبك الموقوت بالأعصاب
ِ
دلالٌ ؛ على سقف المزاج المتبقي.

.شارعٌ يعوي إذا ما نهش َ الكفَّ
زجاج ٌ ذائبٌ يفتن بين الجلدِ ، 
  أو بين اللسان ..
والذي يعلقُ بالأشياء في كل مكانْ...
قبل أن تكتشفَ الدهشةُ ما تخفيه أسلاك العواءْ
والذي تسرقه الآن دكاكين الأمان ..
قد تهجيتَ مساء الصحبِ حتى؛
عجزَالدرسُ الذي يمتدُ من بيتٍ..إلى بيتٍ ..إلى ثقبٍ يحييك َ ..         وتمضي.. قبل أن تعرفَ من أي اللغات ارتجل القاتُ لساناً أعجميا عنكَ.. نَحّاكَ .. ولم تكتملِ الدهشةُ في صحن الهباء الشاعري 

مسرحية: العراف

تأليف: صبري الحيقي
مسرحية من فصل واحد
(ست لوحات)
الشخصيات:
عصفور. .
جراده. .
سبعة جال أو أربع ة. يقومون بدور: "رجل 1"و "رجل 2" و"رجل 3" وأيضا دور اللصوص...
اللوحة الأولى
(يفتح الستار على منظر غرفة بسيطة تدل على فقر ساكنيها..إضاءة زرقاء، مع إنارة كافية للمكان..
صوت نفير- كأن حربا توشك أن تحدث)
جراده: لالالا.. لا يمكن البقاء على هذه الحالة ي ا رجل... أي ريح مشئومة رمتني عليك؟
عصفور: أنا زوجك عصفور.
جرادة:ماذا سنأكل الليلة يازوجي العصفور هه؟.. هل تنوي الطيران إلى حدائق النعمان.. لكي تجلب لنا م ا لم يخط ر على الأذهان.. أم ستنبئني بملك
أبيك السلطان الذي كان وكان؟!!!
عصفور: علينا بالقناعة بما نحن فيه يا مرأة. هذه مشيئة الله
جرادة: الله لم يكتب لك الفقر والجوع.
عصفور: ومن
جرادة: (مقاطعة) كسلك وإهمالك
عصفور: يا الله ما هذه الزوجة؟
جرادة: اسمع يازوجي العصفو ر، ماذا يوجد هنا(تنقر على رأسه)
عصفور (قاصدا إغاظتها) م م ماذا؟ شعر.
جرادة: (صارخة) لا يا فالح.
عصفور: (ضائقا) ماذا تريدينني أن أفعل؟ أنا مجرد عامل.. والأرض لم تعد كما كانت.
جرادة: أي. شيء..أي. شيء.. فقط
شغل هذا المخ الراكد(تلكز رأسه)..اسمع! قريتك الميتة هذه لم تعد تناسب الكسالى أمثالك... علينا بالرحيل إلى المدينة. أي مدينة نصل إليها. فقط نخرج من هذه الحالة الجامدة ( تبدر إشارة من عصفور تنم عن اعتراضه)
جرادة: (صارخة) لا تتكلم، أعرفك جبانا..لكن أعرف أيضا أنك لست. غبيا... لست. غبيا...هل تفهم؟ يجب أن نرحل من هنا. (يتشجع من كلامها بطريقة مضحكة) ...أنبأني أحد العرافين بأن من سأتزوجه سيكون كنزا.. كنزا من المال والجاه والسلطان.. اللعنة على ذلك العراف الدجال.. اللعنة على كل العرافين المحتالين.. كم يكسبون من الم ال دون عناء(صمت – ثم مستدركة) عر.اف..! يالها من فكرة.. نعم عراف...العراف عصفور
عصفور: (مستنكرا) عرفت. نفسي عاملا.ً في أراضي المزارعين..فإلى أي مصيبة تجرينني يا امرأة.
جرادة: (كأنها لم تسمعه).. نعم علينا بالرحيل.. وحينما نصل المدينة، سأتتبع أخبار الناس سرا، ثم أشيع بينهم بأن أسرار الأمور عند العراف عصفور.. سأدبر. الحيلَ لإقناع الناس بما أقول؛ أسرق أي شيء وأخفيه في مكا نٍ أمين..وعلى زوجي العراف أن يكشف الأسرار، وينبئ الناس بالخفايا..(تتوجه إليه) هل سمعت.. غدا سنغادر هذه القرية.. لست. غبيان عليك بأن تفهم هذا..فقط كُن شجاعاً وعليك بأن تغامر.
عصفور: أنت يا امرأة .. أنت تجريننا إلى هاوية لا نعلم مداها، أنا لا أرغب بالرحيل لا أرغب في الضياع.. يكفي أن نشقى ونتعب بين أناس عرفناهم وألفناهم.. أتريدين-
جرادة: (مقاطعة) سنرحل.. ماذا يمكن أن يحدث. نحن على أي حالفقراء معدمين.. قل لي ماذا سيحدث؟ سنجوع؟.. سننام في الطرقات والخرائب؟.. سنقرع. الأبواب طالبين الصدقة والإحسان؟..ليكن.. لقد ضاق بي المقام على هذا الحال.. الناس هنا أكثرهم مثلنا .. وحتى مالكو الأراضي لم يعد بإمكانهم زراعتها كما كان الحال. يا رجل .. يا رجل ا لناس يرحلون إلى بلدان قد لاتخطر على بال .. بعضُهم يقطع. البحار إلى أماكن لا يعرفون حتى كيف يتكلمون مع أهلها..ويتعلمون ثم يعيشون .. وقد يعود بعضهم بأموال قارون.
وأنت تخاف من الرحيل إلى قرية قريبة من قريتك.. يا للعار.
عصفور: يكفي يكفي.. سنرحل"والأرزاق على الخلاق" كما يقول المثل .. هل استرحت الآن؟
(وكأنه يحدث نفسه.. يقوم بحركات تحاول تجسيد تخيله للرحيل ومواجهة المجهول...)
(عزف. على عود بمصاحبة الناي للحن تراثي يناسب الرحيل والرحالة).
اللوحة الثانية
 (كوخ في أطراف المدينة) عصفور: (يتحرك داخل الكوخ بقلق.. يحدث نفسه) لست. غبيا .. نعم أنا لست. غبيا .. ولكن هل أنا جبان؟ (صمت) ربما .. قد يكون.. (فرحا) ولكني لست غبيا.. وعلى. أن أتعلم المغامرة (يأتي بحركات مضحكة تدل على ضعفه أمام المغامرة.. يبتسم.. ثم بقلق) أين ذهبت هذه المجنونة؟ .. ماذ ا تراها تفعل؟ ستْرك يا رب ..(يعود إلى نفسه..) على. بأن أغامر.. نعم سأغامر..إنني قادر. على ذلك.. وإلا لما رحلت. من
قريتي.. ولكني لن أكذب. على الناس بمثل هذه الكذبة المخيفة، فأنا لست. عرافا.. ولست. متحذلقا.. أنا لا أنفع في هذه المسألة.. سأعملُ بوابا . . حمالا.. حطابا.. أي شيء .. ولكن لن أكذب بهذه الطريقة المخيفة.. يكفي أننا وجدنا هذا الكوخ المهجور ليأوينا.. ثم إنني أدبر الطعام أحيانا .. الناس في هذه الأيام لا يهتمون بأحد.. كأنهم لا يحتاجون إلى عمال.. (يفكر) ولكن من هم الناس؟ ومن أنا؟ ألست. من الناس؟ .. يا إلهي ما هذه الأفكار التي تقفز إلى ذهني..(يفكر) لماذا لاأكون مثل الناس؟! ولكن من قال إني لست. مثلهم؟. الناس .. أنا ..
جرادة: (تدخلُ لاهثةً متحمسة) خذ أيها الكسول.. هذا الطعام..
عصفور: (متشككا، وكأنه يتهمها بأمرٍ خطير) ها .. من أين أتيت. بهذا الطعام؟؟
جرادة: (كأنها لم تسمعه) اسمع يا رجل، مضى علينا وقت. طويل منذ أن وصلنا إلى هذه المدينة .. وأنت على حالك القديم.. يوما تعمل وعشرا تنام.
عصفور: ماذا أفعل؟؟ هل أجبر الناس على أن يقبلوني عاملا معهم(مستدركا) ها ولكن لم تخبريني..
جرادة: (مقاطعة تكمل حديثها) لقد تجسست. على البيوت وأنا أتنكر كمتسولة .. وأتعرف على أخبار المدينة.. وقد حققت. هدفي هذه المرة بالصدفة.. صدفة كنت. أمر. من أمام أحد الدهاليز حيث كان العراك.
عصفور: (مقاطعا بتهديد) قلت. من أين أتيت بالطعام؟
جرادة: (صارخة) اسمع يارجل .. لقد كان صاحب البيت يحاول فك العراك القائم بين زوجته الأولى وزوجته الثانية.. كانت
إحداهن تلبس. قلادة. ذهبية..، سقطت دون علمها، ولم يتنبه لي أحد .. كما لم يتنبهوا للقلادة..
عصفور: هل سرقتي القلادة ..!؟ اسمعي لن أكون متسامحا هذه المرة.. لقد صبرت. عليك كثيرا.
جرادة: (مقاطعة) أيها الأبله، لقد أخذت. القلادة بعد أن ذهبوا.. وأخفيتها في مكان أمين.. ثم بدأت. أتنقل بين الحارات، أخبر النساء والرجال، بأن العراف المشهور "عصفور" قد وصل المدينة منذ شهور .. وأنه زاهد. في الدنيا.. ولا يحب أن يعلَ عن نفسه.. ولا أن يمارس مهنته.. ولكنه لا يرد محتاجا إذا ضاعت ضائعة أو حدثت مشكلة..
عصفور: (عصفور دون أن يتنبه إلى أنها تقصده) أين هو هذا العراف؟
جرادة: صارخة يا إلهي..!! إنه أنت.. هل فهمت.. أنت العراف المشهور عصفور، وقد تناقل الناس حديثك بسرعة الضوء، وما وصلت إلى آخر المدينة حتى وجدت الأخبار قد سبقتني..
عصفور: ولكني لست. عرافا.. (ثم باحتجاج متعجب) ثم منذ متى كنت مشهورا.. هه..
جرادة: كل الناس يعرفون هذا..! منذ متى .. لا يهم.. من اليوم من أمس .. من أي وقت.. ليس هذا مهما.. عصفور: يا ويلي .. يا ويلي..
جرادة: لقد حدث هذا منذ يومين.. و
عصفور: (مقاطعا باستنكار) منذ يومين ولا تقولين لي يا امرأة.. هيا هيا
أسرعي نهرب من هذا المكان قبل الفضيحة..
جرادة: كنت. أعرف هذا منك.. ولهذا لم أتكلم حينها..اسمع سيأتي الآن ذلك الرجل..
عصفور: (مستنكرا) أي رجل؟!
جرادة: الرجل..! الرجل الذي فقدت زوجته القلادة.. لقد سبقته لكي أخبرك بمكانها.. عليك بأن تمثل شخصية العراف الوقور.. هذه المسبحة (تناوله مسبحة)..قل يتأن وأنت تعد حبات المسبحة بأعداد منتظمة، بأنه سيجد القلادة في عش الغراب.. داخل مقبرة المدينة..
عصفور: (قلقا وكأنه يهيء نفسه لهرب)
هيا هيا ولا تكثرين الثرثرة.. دعينا نغادر المكان قبل أن ( قرع على الباب يقطع حديثه)
صوت: هل هذا كوخ العراف عصفور؟
عصفور: لالا لقد أخطأتم..
جرادة: (مقاطعة بصوت أعلى) نعم نعم هذا كوخ العراف المشهور عصفور(تسارع بفتح الباب)
رجل 1: السلام عليكم (لا ينتظر ردا) لابد أنك العراف المقصود.. لقد وصفوك وصفا دقيقا..، طولك وعرضك.. ومزاجك..
عصفور: (كأن الحديث لا يعنيه.. معطيا ظهره للرجل)
يا للمصيبة .. لقد وقع المحذور ولن تجدي النذور
جرادة: نعم نعم.. هو بعينه...
(تقترب هامسة لعصفور الذي لم يدرك ما تقول)
عصفور: (مرتبكا دون أن يسمع زوجته) نعم نعم أيها الرجل لقد أضعت .. أ.. أقصد لقد أضاعت زوجتك قلادتها.. أليس كذلك ؟ (الزوجة ما زالت تحاول تنبيه عصفور لكن بلا فائدة)
رجل 1: (مستغربا) زوجتي! أنا لست.
متزوجا.. لقد جئت. بهذا الخصوص..إن أبي يريد أن يزوجني من ابنة عمي، وأنا أجد نفسي مدفوعا إلى امرأة أخرى.. لا تكبرني كثيرا .. ولكنها ذات مال وجمال.. وهي تحبني.. ولا أدري أيهن أصلح لي .. أفتني أيها العراف
بالله عليك..
عصفور: (يلطم وجهه ورأسه) يا ويلي .. يا ويلي.. ماذا فعلت هذه المجنونة؟ (يشير إلى زوجته)
رجل 1: أي مجنونة!!؟؟
جرادة: (محاولة تدارك الموقف ) لقد أفتاك أيها الرجل..إنه يتكلم أحيانا بالرموز..آ .. يقصد أن المرأة قد سحرتك فلا تضعف أمام سحرها.. وتزوج من ابنة عمك، كما يرى والدك.. وحتى لا تخرج عن طاعته أيضا..
رجل 1: يا له من عراف عجيب .. نعم لقد راودني هذا الشك كثيرا.. لابد أنه عراف بارع (يخرج من جيبه نقودا) هذا ما عندي.
عصفور: لالا لا داعي يا ..
جرادة: (تخطف النقود) إنه هكذا يخجل أحيانا من لمس النقود(يخرج الرجل)..
عصفور: أرأيت أيتها المجنونة.. لقد صدقتك، وكاد أمرنا يفتضح..
جرادة: لقد تسرعت بالرد.. عليك بسماع الناس أولا ثم تفكر بالإجابة.. إذا عجزت.. قل كلاما غامضا.. ضلل .. تصرف.. ولا تسلم الأمور بسهولة..
(طرق على الباب)
جرادة: لابد أن صاحب القلادة قد
أتى.. (تسارع بفتح الباب.. ( يدخل رجل 2)
رجل 2: أهذا كوخ العراف عصفور؟
جرادة: نعم نعم هذا هو.. تفضل.. مرحبا بك..
رجل 2: لقد حدثت لي كارثة.. إن زوجتي الجديدة تتهم زوجتي الأولى بسرقة قلادتها الذهبية.. وقد غادرت كل واحدة إلى بيت أبيها.. ولا أدري ما
أفعل.. أنبئني أيها العراف بما يجب عمله.. وستجد مني ما يرضيك.
جرادة: (تلكزه بقوة) هذا هو.. هذا هو. هيا!
عصفور: (مترددا) ها ما مشكلتك أيها الرجل؟
جرادة: (صارخة) لقد أخبرك أنه فقد قلادة.. هل فهمت.. قلادة ذهبية..
عصفور: ها.. نعم نعم .. (يحاول تمثيل اللعبة) اسمع أيها الرجل..عليك بأن تطلق واحدة.ً من زوجاتك..، الزوجة الكاذبة بالتحديد(جرادة تلطم وجهها.. توشك أن تصرخ) آ .. أما القلادة الذهبية فإنك ستجدها في عش الغراب في مقبرة المدينة..آ.. ولا تسألني من أوصلها إلى هناك.. ربما خطفتها الجراد وطارت بها إلى هناك.. أنه الشيطان.. الشيطان..
رجل 2: شكرا أيها العراف..
سأذهب إلى هناك فإذا وجدت القلادة كما وصفت.. فسأطلق الزوجة الكاذبة..
ولن أبخل عليك .. كما وعدتك .. سأعطيك ما يرضيك ويرضي زوجتك الطيبة..
عصفور: طيبة( بغيض مكتوم) نعم طيبة؟؟!
[ظلام]
اللوحة الثالثة
(مكان نظيف، يدل على أن الحال قد تيسر..)
جرادة: لقد أصبحت. عراف المدينة.. وأصبحت أحوالنا متيسرة بحمد الله...هل عرفت الآن كيف يجب أن تسير الأمور.. يا زوجي المشهور.
عصفور: نعم نعم ولكن..
جرادة: لكن ماذا؟!
عصفور: كلما كبرت. في الجاه والشهرة كلما كبر خوفي.. نعم إنني أحلم أحلاما مزعجة.. وأتخيل أشياء مخيفة..
جرادة: (مقاطعة) ها أنت قد قلتها بنفسك.. أنت تتخيل.. فقط أوهام..
عصفور: ماذا لو انكشف أمرنا.. حينها ستكون أيام الفقر والجوع أحسن حالا وأهدأ بالا..
جرادة: (مستبعدة تفكيره) أوه كم أنت جبان..أيها الرجل(بدلال) يا زوجي العزيز ألم تفهم الناس بعد .. إن هذه الدنيا لا تحتاج إلا للمغامرة الجسورة.. وقد فعلت أنت ذلك.. كل المدينة تصدقك وتخشاك.. ولا داعي لمثل هذه الأوهام..
عصفور: (متأملا) نعم.. نحن الناس والناس نحن.. ولا ينبغي أن نخاف من أنفسنا.. نعم ، كم أنت محقة يا زوجتي.. (قرع على الباب، يخرج عصفور من الخشبة)
جرادة: (تفتح بثقة، وكأنها قد تعودت على مثل هذه الأمور) أهلا وسهلا.. تفضل..(يدخل ( رجل 3 )
رجل 3: لم أترك مكانا إلا وبحثت. فيه.. لقد حلت الكارثة.. إن السلطان قد هدد بعقابي..
جرادة: ماذا بك يا رج ل؟! ماهي المشكلة؟؟
رجل 3: سرِقَت. كلَ جواهر السلطان
الثمينة..ماله المكنوز..
سرِقَ السلطان..يا ويلي .. .
وقد كلفني باسترجاعها وإلا فسيكون عقابي الموت.. ولم يعد لي سوىالعرافين .. وشهرة العراف عصفور قادتني إليكم.
جرادة: لا عليك أيها الرجل..(وقد استشعرت خوفا من النتائج غير المضمونة) ولكن العراف عصفور قد نوى ترك العرافة أقصد ترك علم العرافة وتوجه إلى الزهد.
رجل 3: (بغضب) إياك إياك والتلاعب..اسمعي أنا لا أؤمن بالعرافين ولكن ما باليد حيلة .. لقد جئت. إلى هنا وأنا بين الخوف والرجاء.. هيا استدعي هذا العراف.. اخبريه بأن حاجب السلطان الأكبر يأمره بالظهور.
عصفور: (يدخل مرتبكا، ولكن بوقار م.تَكلف) ما هذه الضجة ؟؟
رجل 3: اسمع لقد جئت. إليك في أمر هام .. فإن لم تصدق ، فقد وقع موتك شنقا.
عصفور: موت.. موت.. يا إلهي.. نسعى للحياة فنلاقي الموت!
رجل 3: لا داعي للحذلقة.. أخبرني أولا ماذا حلَّ بحدائق السلطان .. هيا إن كنت عرافا حقيقيا فستنقذني وتنقذ نفسك،
وإلاّ_
عصفور: (مرتبكا ومستسلما) آ .. آ.. إنها جرادة، ولا شأن لي.. أنا
رجل 3: الحمد . لقد أصبت .. نعم إنني أعتذر عن سوء نيتي، نعم
إنها الجراد قد أكلت أوراق البستان.. (تبدر حركات مضحكة من عصفو ر، لتبدل الحال)
كنت فقط أجرب صدقك، أرجو المعذرة.
والآن افتني في المشكلة التي أتت بي إلى هنا ، لقد اختفى صندوق جواهر السلطان من مخبأه الأمين ، وقد هددني السلطان بالاعدام إذا لم أحضر الصندوق خلال ثلاثة أيام..
عصفور: ها.. (يلتفت. إلى زوجته) إنه السلطان..، أتفهمين..؟ السلطان .. والنهاية الاعدام.
جرادة: (صمت)...
عصفور: السلطان السلطان؟!
رجل 3: نعم نعم ، السلطان، وقد هدد بالإعدام.
جرادة: (محاولة التماسك) إن أمر السلطان أمر عظيم..
عصفور: لابد من إعطائي مهلة هذه الليلة،
فقط هذه الليلة.. حتى أستقرىء. النجوم.. ونعرف المقسوم.. وتعرف الخبر اليقين، أيها الرجل الأمين، عليك بالعودة غدا مثل هذا الوقت..هل فهمت.،
غدا مثل هذا الوقت..
رجل 3: شكرا لك أيها العراف(وهو يخرج) سأخبر السلطان، وسيكون عطاؤه جزيلا.
عصفور: وقع الفأس في الرأس والنهاية الإعدام.
جرادة: تشجع يازوجي العزيز.. (لست وحدك الكذّاب في هذه الدنيا). . ما يزال الوقت. طويلا إلى الغد.
عصفور: الهروب، لم يبق إلا الهروب.
جرادة: عندنا من المال مايكفي، سنأخذه ونرجل إلى مدينة أخرى ..
عصفور: الليلة.. الليلة لن ننام، سنسهر حتى منتصف الليل، وحينما تظهر النجوم السبعة في السماء.. حينها يكون الناس قد ناموا جميعا، فنحمل ما نقدر عليه ونرحل.
جرادة: (صمت).
[ظلام]  

اللوحة : الرابعة

 ( يظهر سبعة رجال أو أربعة في مكان يختاره المخرج.. المكان لابد أن
يكون على مستويين؛ مستوى يضم اللصوص السبعة... ومستوى يضم عصفور وزوجته جرادة،).
اللص 1: وقعت المشكلة، والخطر يهدد الجميع.
اللص 2: أي مشكلة؟! وأي خطر؟!
اللص 1: العراف.. لقد لجأ الحاجب الأكبر إلى العراف، وهذا ما لم
يخطر على أذهاننا.
اللص 3: إن هذا العراف خطير جدا.. وقد ملأت ش هرته الدنيا.. وهو
على أي حال يشكل خطرا علينا.
لص 4: وما العمل؟
لص 3: لابد من تسليمه الصندوق ونسلم الفضيحة، لقد هدد السلطان بإعدام من تجرأ وانتهك حرمة أسراره، وسرق صندوقه المكنون.
لص 2: لماذا لا نقتل هذا العراف؟
لص 4: لالا يجب أن نستبعد هذه
الفكرة، فإذا كان عر افا حقيقيا فربما تصيبنا لعناته، ثم إننا لصوص ولسنا سفاكين دماء.
لص 3: أنا أرى أن نتجسس عليه، فربما يتحدث. إلى زوجته، عن بعض
نواياه، أو لعلنا نعرف بعض خفاياه، فنعرف هل سيتمكن من كشفنا، وإلا لا داعي للخوف..
لص 1: إن الوقت يمضي، اذهب أنت هيا حاول أن تتجسس على هذا العراف الملعون (يشير إلى ( اللص 3)
(إضاءة على المستوى الخاص بعصفور وزوجته).
جرادة: ها ما الخبر؟!
عصفور: الأول من السبعة ظهر. (يقفز الرجل مذعورا عائدا إلى أصحابه وهو يلهث.).
اللص 3: يا الله. إنه عراف. مخيف، كان ينظر إلى السماء، موليا ظهره لي،
وبمجرد أن اقتربت، أخبر زوجته.
لص آخر: بماذا أخبرها؟
لص 3: أخبرها بمجيئي.
لص آخر: (يضحك)
اللص 3: ألا تصدق.. ، تعال وانظر بنفسك، (يذهبان)
(إضاءة على المستوى الخاص بعصفور وزوجته).
عصفور: ها وهذا الثاني أيضا
(يتراجع الاثنان مذعوران)
عصفور: هذا هو الثالث قد ظهر.. سيظهر البقية، سيكتمل السبعة.. هيا هيا،ن قومي وانظري، هاهم قد اكتملوا؛ ظهر السبعة كاملين. (يتراجع السبعة اللصوص في ذعر)
لص: لقد كشفنا دون أن يلتفت حتى ليتأكد من وجودنا، وكأنه واثق. لا يخشى أحد.. يإالهي..
لص آخر: لابد من تسليمه الصندوق، وطلب العفو والسماح منه.
لص آخر: نعم لا بد من هذا فهو بلا شك عراف. مخيف.
( عصفور وزوجته يجمعان الأمتعة، يتوجهان إلى البا ب قاصدين الهرب.. يأتي اللصوص السبعة يلتقي الجميع عند الباب)
اللصوص السبعة: الرحمة أيها العراف..
واستر ما ستر ا.، ولا تفضح
أمرنا للسلطان.. هذا هو الصندوق.
أحد اللصوص :..هذا هو صندوق الجواهر – كما هو لم نفتحه بعد.
عصفور: مندهشا ومتداكا للموقف) لا بأس.. لا بأس.. لقد كنت. عازما على الذهاب إلى السلطان الآن.. ولكن حسنا ما دمتم قد اعترفتم.. واعتذرتم..فعاهدوني، على ألاّ تكرروا السرقة أبدا، حتى لا توقعوني في المشاكل..ولكم مني أن أشفع لكم عند السلطان. اللصوص السبعة: نعادك على ذلك.
عصفور: اقسموا اللصوص السبعة: نقسم على ذلك. عصفور: حسنا فعلتم.. حسنا فعلتم؛ لقد جئتم في وقتكم. (يغادر اللصوص المكان، )
"جرادة" تعيد الأشياء إلى مكانها، ثم تخرج..، موسيقى خافتة.. إضاءة: خضراء .. زرقاء.. صفراء على عصفور، وهو يتحرك بحركات تنم عن
تفكير .. وكأنه يكتشف أشياء جديدة بالتوالي، كتوالي الإضاءة..)
عصفور: (لنفسه) تبا لك أيها الخوف
..واتسعي يا آفاق العين.. فما أعجب حال الدنيا.. ها أنا أتجاوز ضباب الشك إ لى عالم جديد وكأني أتخلق في كون آخر.. هكذا تكون الحكمة:
شي. من التفكير، والصبر، والإصرار، وشيء من المغامرة والجسارة..وبإمكانك أن تكون ما تشاء. نعم.. بإمكان الإنسان أن يكون ما يريد.. ترى هل كانت زوجتي تدرك هذه الحكمة، حينما فكرت بسبيل آخر لحياتنا الأولى؟! لا أظن ذل ك.. ولو كانت تدرك هذا السر. لما تراجعت في لحظة المأزق الذي وضعنا فيه حاجب السلطان. (يضحك بطريقة مريبة.. يوجه الحديث للجمهور) أقسم إنني إلى آخر لحظة، كنت أظن بأن زوجتي
المسكينة مجرد امرأة مشاكسة يدفعها الطمع إلى هاوية مخيفة.. أما الآن، فبإمكاني أن أرى الأمور بشكل آخر.. ربما بأكثر طموحا من زوجتي الطيبة.. ولا أنكر على نفسي أنها قد لعبت دورها.. وهو على أي حال دور محدود.. ومن الآن يجب ألاّ تعرف بماذا أفكر.
[ظلام.. موسيقى]
اللوحة الخامسة
 (المكان أكثر أناقة وأثاثا من اللوحة السابقة)
عصفور: (يدخل العراف "عصفور" وزوجته تتبعه) لا لا ليس هذا ما أقصده يا زوجتي..
جرادة: إذا لماذا لا أذهب اليوم إلى السوق وأشترى بع الأشياء.. ثم لماذا لا يكون لنا خدما وحراس..-
عصفور: أوه يا امرأة ( يقلب حبات المسبحة كما هي عادته أثنا العرافة)
جرادة: (مستغربة؟) ماذا تنوي أن تفعل؟!!
عصفور: سأستقرىء الغيب.. وأعرف ما يجب عليك أن تفعليه..
جرادة: (بتشكك) زوجي "
عصفور" أتمزح..؟؟؟!!!
عصفور: (غاضبا) كيف أمزح يا
امرأة.. أنسيت بأني عراف المدينة..!؟
جرادة: (غير مصدقة) لابد أنها دعابة.. تعرف أن المال كثير والخير وفير، فهل تبخل على زوجتك ببعض المطالب.. أنسيت أنني كنت. سببا في كل هذا يا زوجي؟
عصفور: لم أنس يا امرأة.. وأتذكر أنك أخبرتيني في يوم بأن عرافا قد
تنبأ لي بما أنا فيه الآ ن ..(مقلدا صوتها):" إن من ستتزوجنه سيكون كنزا.. كنزا من المال والجاه والسلطان.."
جرادة: يا إلهي. ولكنه عراف دجال.. لم تكن نبوته هي التي صنعت هذا، ولكن ذكائي وحيلي وإصرار.
عصفور: لا لا لابد أنك تبالغين فيما تقولين..، هكذا طبع النساء.. لا يهم سأسامحك هذه المرة، واعلمي أن ما وصل ت. إليه، ما كان إلا نتيجة..
نتيجة حتمية لعلمي وفهمي بالناس وبنفسي.. نعم.. لو لم أكن ذكيا ملهما..أتفهمين، ملهما، يدرك الغيب المكنون، والسر المدفون بإلهام رباني مضمون، لما كانت حيلك وألاعيبك الحمقاء ذات أهمية وبلا ء، عليك بأن تفهمي هذا جيداً.
جرادة: اسمع يا زوجي العصفور، لقد طر.ت. بعيدا جداً . ولابد. أن عقلك أيضا قد طار أبعد. عصفور: أوه.. عصفور.. عصفور..أي عصفور هذا، هذا اسم لا لم يعد يناسب مقامي العالين وشخصي الغالي..أتعرفين، إنني أصبحت. المستشار الأول للسلطان الأمثل. ولابد من اسم آخر، لا يذكُّرني بالأيام السوداء..
جرادة: ماذا تريد. أَن نسميك؟! ديك ينفخ. ريش.ه...صقر. يحوم. على الفرائس.. نسر. يفرد. أجنحتَه. على أشعة الشمس.
عصفور: اسمعي يا امرأة. ولا تستثيرين أعصابي..، واعلمي أنني كثيرا ما أفكر فيك أنت أيضا.
جرادة: كان هذا ظني فيك ي ا زوجي الحبيب، لم أكن أتخيل غيرا هذا.. كنت. أعرف أنك لن تنكرني أبدا.
عصفور: يبدو أنك لم تدركي ما أرمي إليه..أنت أيضا يجب تغيير (تقاطعه)
جرادة: تغيير اسمي .. ليكن تغيير اسمي واسمك ..ماذا لو تغيرت الأسماء.
عصفور: لا لا لقد ضاق صدري، ونفد صبري..،لابد أن تعرفي أنني قد سئمت ك إلى أقصى حدود السأم..
جرادة: ماذا..؟؟!! ماذا أيها الرجل؟!.. لم يعد إلا أن تقو لَ: أنت. أيضا لا تناسبين مقامي وسلطاني!!
عصفور: ها.. ها أنت. قد بدأت. تفهمين.
جرادة: (بثقة) هل تظن نفس:َ قادر. على ما تتوهم. اسمع، إياك أن تكون قد
صدقت. نفسك ؛ أنك عراف العرافين.. نعم.. ولن أسكت. أكثر. من هذا..عليك بأن تفكر جيدا، وتعرف مصلحتك..، أنسيت. بأنني أعر ف. كُلَ
فضائ.ح.ك. وأسرارك.
عصفور: أعرف مصلحتي تماما..، هل تفهمين؟ وعليك بأن تعرفي
مصلحتك أنت-
جرادة: لم يبق. إلا هذا..، لم يبق. إلا أن تعلمني أنت ..أنت الذي صنعت.
من غباءه تمثالاً عظيما
عصفور: (مقاطعة) وعليك أن تسجدي لهذا التمثال.
جرادة: هذا هو المستحيل الذي طار إليه صوابك، ويجب أن تعرف حدودك..، يجب أن تعرف قَدركَ الحقيقي ، (ورحم الله امرأً عرف قدر نفسه)
(تفكر) لم أكن أدركُ أنني قد ارتكبت. خطأً فاحشاً كهذا الذي أراه(تشير إليه) ولكن مازال الوقت. م.تسعاً لإصلاح مثل هذا الخطأ البشع. نعم..، وسأكون العرافة من الآن..، ولتعلم يا زوجي العصفور، إنني تنبأت. لمجدك العظيم أن يحترقَ كالهشيم، وأنك. ستمشي وحدكَ في الطرقات كالجيفة الخربة.. سأفضحك. على الملأ، سأكشف. كلَ الألاعيب..، وسيعرف الناس..سأحكي لهم كُلَ شيء .. ، وكما صنعت. منك. تمثالاً عظيما، على. بأن أحطم هذا التمثال..
عصفور: (يخرج وهو يضحك).
 [ظلام]
اللوحة السادسة
 (المكان يختاره المخرج..)
جرادة: (تدخل.. والأصوات تلاحقها:
[مجنونة.. مجنونة..] وهي تضحك وتبكي)..مجنونةْ.. أنا مجنونةْ..(للجمهور) أنتم تعرفون الحقيقة ( صوت من بين الجمهور: لقد جُنت.) هكذا قال الناس. في المدينة..، نعم.. قالوا لقد
جنت. زوجةُ العراف..، أو لابد أنه أغضبها بزوجة أخرى.
الناس..، الناس الذين كذبت. عليهم، وخدعتُهم... وظللناهم.. ما أكثر الطبول الجوفاء، التي نضربها فيرقص الناس عليها، وما أكثر الأقنعةُ المُزيفةُ في هذه الدنيا الفانية..؛ لم يصدقني أحد...أخبرتهم. واحداً واحدا.. كشفت. لهم كلَ الحيلَ والأكذيب..لم يكن قصدي هذه المرة سوى إضهار الحقيقة. نعم..أقسم. أنني لم أعد أطمع في شيء سوى الحقيقة، فلقد ذبحني زوجي المغرور، وأكل الجرادة عصفور، وانتهى كلَ شيء.. ما أصعب أن تُذبح.بالسكين التي تصنعها..كيف يحدث هذا!..أي عالمٍ هذا الذي نعيشه. .. نكذب. على الناس فيصدقون.. ثم نصدقُ معهم فيكَذِّبون..، قمت القيامة واختلطت الأمور..سقطت السماء واستيقظت القبور،، يا إلهي أهذا خطأُ الناس،أم خطأُ من ؟؟ الناس.. الناس..من هم الناس ومن نحن.. فات الأوان وانتهى كل شي.
[ستار النهاية]
(حكاية الأول من السبعة بدا)
كما وردت في كتاب:
محمد أحمد شهاب،الحكايات الشعبية-من التراث الشعبي اليمني، عدن-
بيروت، وزارة الثقافة- دار ابن خلدون، 1980 م، ص 174
      كان شخص فقير يسمى عصفور، يعيش زوجته ال تي تدعى جرادة في كوخ صغير في إحدى القرى.. وكانوا يعانون من الفقر والبؤس. وذات يوم قالت جرادة لزوجها: إلى متى سنظل على هذه الحالة؟ لابد أن تفكرمعي في طريقة نستطيع بها أن نحصل على معيشة أفضل، فقد سئمت. الفقر..قال عصفور: علينا أن نقنع بما نحن فيه، فتلك مشيئ ة ا..قالت جرادة: ا. لم يكتب لنا الفقر والجوع، وان ما نحن فيه ناتج عن عجزك واهمالك، وأنالست. راضية عن هذه الحال، ولابد من طريقة نتخلص بها من الفقر ونأمن شرالجوع . قال عصفور: ما باليد حيلة . قالت جرادة: اسمع خطرت لي فكرة ستجعلنا أغنياء، وما عليك إلا أن تعمل بما أقول لك. قال عصفوربدهشة
واستغراب: وماذا أفعل ؟ قالت جرادة: سنخرج الليلة من هذه القرية اللعينة إلى مكان لايعرفنا فيه أحد.. وسأعلن للناس هناك أنك عراف عظيم تعلم الغيب وتكشف المجهول. قال عصفور: ولكنك تدرين أني لست. بعراف، وربما انفضح أمرنا. قالت جرادة: قلت لك ان تعمل بما أقول والباقي لي. وهكذا خرج عصفور وجرادة من القرية في المساء حاملين بعض أمتعتهم وشيئا من الطعام والماء ومشوا حتى وصلو ا إلى قرية بعيدة لا يعرفهم فيها أحد، وحطوا رحالهم في طرف القرية تحت شجرة وجلسوا للراحة والنوم.
وفي الصباح مر بعض أهل القرية بهمن وسألوهم عن سبب وجودهم في هذا المكان وسبب مجيئهم. وكانمت جرادة تقول لمن يسألها: اننا نطوف منبلاد إلى بلاد ومن قرية إلى قرية ننفع الناس، فزوجي عراف مشهور، يعلم الغيب ويكشف المجهول. انتشر خبر جرادة وعصفور في القرية فاختلف أهل ا لقرية بين مصدق ومكذب لما تدعيه جرادة. فاقترح بعضهم أن يختبروا صحة كلامها وأن يضعوا جرادة تحت وعاء ويأتوا بعصفور ليقول لهم ما تحت الوعاء، فإن استطاع فهو عراف عظيم وشيخ مبروك.
وهكذا أحضر جماعة منهم وعاء وجرادة، وقتلو الجرادة ووضعوها تحت الوعاء، ثم است دعوا عصفور وزوجته جرادة وطلبوا منه أن يبين لهم ما هو تحت الوعاء دون أن يرفعه. فاحتار عصفور واحم ر وجهه وارتعد بدنه، فهاهو يواجه الفضيحة لأول مرة وبينما هو في حيرته يفكر في طريقة للتخلص، فسأله أحدهم: ما بلك ؟ قل لنا ما تحت الوعاء وإلا عرفنا أنك كذاب وعاقبناك وزوجتك.
قال عصفور: ما أنا بكذاب، وإنما "جرادة" زادت على عصفور. وما أن أكمل عبارته حتى صاح الجميع بأعلى صوتهم: صحيح لقد عرف ، إنه عراف عظيم.
إشارة:
      هذا النص المسرحي، مأخو.ذ من حكاية شعبية يمنية، حرصنا على نشر الحكاية كاملة، مع هذا النص، كنوع من التأصيل المنهجي لمصدر النص. مع العلم أن هذه الحكاية، قُدمت . بأشكال ومعالجات مختلفة:
فقد قدمتها إذاعة "عدن" كحكاية. شعبية بحته، ضمن برنامج عن الحكايات والأساطير اليمنية. وقُدمت. في العراق كمسرحية. كوميدية، تقوم على الأمثال الشعبية العراقية باسم(الخيط والعصفور). وأنتجت في الشام كمسلسل تلفزيوني . باسم (المنجم الكبير). وقد حرصنا هنا على هذه الإشارات، وإلحاق نص الحكاية الشعبية الأصلية، كما وردت في التراث اليمني، حتى نسهل على أي باحث أو دارس أن يكتشف خصوصية هذا النص.
إشارة أحرى:
    جدير بالإشارة الفرق بين النص ومصدرة، مسأل ة مهمة أثارها البعض تحت أكثر من مسمى ومن ذلك: التنا ص، ولكن المؤلف له رؤية مختلفة وله بحث علمي، في تقنيات التأليف، يتناول في الجزء الأول منه (مصادر النص) وفيه يفرق بين الزائف والأصيل في النص، من خلال المحاكاة المباشرة للمصدر؛ وهي التي تتطابق فيها رؤية وفكرة النص مع مصدرة، وهذا هو الزائف، أو بمعنى آخر الناقل دون إبداع، ومحاكاة غير مباشرة وهي التي تختلف فيها فكرة ورؤية النص عن مصدره ، وهذا هو الإبداع ؛ وهو ما فعله الكثيرون من المؤلفين، ولعل أشهر الأمثلة أسطورة "أديب" التي أُلفت عشرات المرات.
إشارة ثالثة:
     تجدر الإشارة إلى كون هذا النص، قد أخرج على خشبة المسرح اليمني عدة مرات، مثلا:
في عام 1988 م، قدمتها فرقة . المسرح الوطني،في "الحديدة" إخراج: على المشرقي.
في عام 1991م قدمت فيمعهد الفنون الجميلة (معهد جميل غانم حاليا) في"عدن"، كمشرع تخرج لطلبة السنة الرابعة.
وقدمت في مهرجان المسرح اليمني 1995 م.
كما قدمت في يوم المسرح العالي 2007 م وحصلت على جائزة أحسن عمل.
في 2010 حصل على جائزة مهرجان المسرح اليمني.